فقه جهاد الدفع من غير إذن الإمام بين العلل الجزئية والمقاصد الكلية (فلسطين نموذجا)

تمهيد: إشكالية في أصول الفتوى وعلاقتها بالسياسة الشرعية:

1-عرض الفتوى:

إذا احتُلت أرض المسلمين فجهاد الدفع واجب، ولا يشترط له إذن الإمام، وكل من يتخلف فهو من التولي يوم الزحف، وكذلك يجب النفير العام، وهذا الخطاب العام يمكن مناقشته بما يأتي:

-إن الفتوى يجب أن تتناول محل تنزيلها في الواقع، فهي لم تناقش العوارض من قدرة الأفراد على حمل السلاح الذي فيه النكاية في العدو، بالإضافة إلى العرف العادي في منع تعدي الحدود إلا من منافذ معينة، مع احتفاظ الجيوش بقواعد اشتباك مع أي كان ممن يجتاز الحدود من غير  وجه مأذون فيه، وهذا بصرف النظر عن كون هذه الحدود مشروعة أم لا، إنما لم تناقش بوصفها موانع عادية لا موانع شرعية.

 -هذه المذكورات هي علل عامة أي مبادئ أساسية ويمكن أن تؤدي إلى تناقضات في التطبيقات، بسبب قابليتها للفهم بطرق متضادة.

-الفقهاء لايجيزون التعليل بالعلل العامة لأنها تؤدي إلى اختلاف الناس، وهي من باب الثقافة العامة للجميع، يستوفي فيها العالم والعامي، والفقه هو الفهم الدقيق في المسائل التفصيلية.

 -إن دليل الفقه هو دليل تفصيلي فالفقه مأخوذ من الأدلة التفصيلية والعلل الجزئية كالإسكار في الخمر، وليس من العلل العامة.

-العلل العامة تستوي فيها جميع الأمم كافرها ومؤمنها فهي جميعا متفقة على وجوب الدفاع عن الأوطان في وجه العدوان، والمسلمون يختلفون بالأدلة الشرعية التفصيلية مع ترتيبها تحت الأدلة الكلية.

-تفترض الفتوى أن جميع المكلفين يتوفر لهم التدريب الكافي وأن السبيل للجهاد لا تعترضه مفاسد شرعية وعادية، ولكن في الحقيقة أن صاحب الفتوى نفسها يفتي بها منذ عشرات السنين وهو نفسه لا يعمل بفتواه التي بخاطب بها جمهورا مثله في الاستطاعة، وهو من الذين لا يجدون للجهاد حيلة ولا يهتدون سبيلا، مع أن منظومة الدولة المعاصرة هي التي تحتكر السلاح، والحروب اليوم صارت متخصصة بيولوجية وتقنية وكيماوية، وأن الخروج المسلح محفوف بالاقتتال الداخلي بين الشعب الأعزل والجيوش النظامية، وتفتيت المجتمعات السُّنية على نحو  لا يحقق قتال العدو المحتل، بل قتال يخدم العدو  وهو قتال الإخوة بسبب إخلالهم بحرمة دم المسلم على المسلم.

-الفتوى هي تنزيل الحكم الأصلي على محله المعين في الوقت الحاضر، ومحله هو  المكلف الذي يجب عليه الجهاد، وبيان المكان الذي فيه الجهاد، وزمانه، ودراسة المفاسد برتبتها عامة أم خاصة، الأشد والأقل، ولا بد أن تكون هناك خبرات مختصة من عسكرية وسياسية واقتصادية، وليست الفتوى نسخ النصوص ولصقها دون تعيين محلها المشخَّص الآن، وهو فلسطين وفق المعطيات على الأرض.

-مع أن الجهاد ضمن السياسة الشرعية التي هي وظيفة الدولة لأنها نظر عام في المصالح والمفاسد، إلا أن الفتوى هي بيان علمي من أصوله أنه غير ملزم بل هو  انحياز للأمة والقواعد العامة، وجزء من الأمر بالمعروف الذي هو تلويح بالشريعة في حال رؤية تقصير من الدولة في نصرة المسلم المظلوم، ولكن ذلك يكون بما لا ينازع الدولة في سلطانها في حرب أهلية، مما يؤدي إلى انهيار شامل للمجتمعات السُّنية في الوقت الذي يتربص بها النفاق الباطني الشيعي والغزو الاستعماري الأوروبي، فلا يجوز في قواعد الأمر بالمعروف أن يكون في الإنكار مفسدة أكبر من المنكر نفسه، بسبب صناعة الصدام الدموي بين الدولة والشعب، ومن ثَم خدمة الغزو الباطني والاستعماري.

2-المبادئ العامة والإطلاقات لا تحتاج فتوى كتحريم الخمر:

إن ذكر الحكم الفقهي الأصلي يجب أن يكون مع علته، ثم دراسة تنزيل الحكم على محله في الواقع على نحو تفصيلي لا يترك ريبة، لا سيما عندما يكون الخطاب عاما وفي واقع متأزم، يمكن من خلاله استغلال الإطلاقات استخداما متناقضا، فالقول بأن جهاد الدفع دون إذن الإمام مرسلا ، سيؤدي إلى تطبيقات مشوهة أو استغلالا فئويا، ويكون غامضا ، لذلك لا بد فيه من الإجابة على الأسئلة التالية حتى يكون فقها قابلا للتطبيق.

  3-مثال تطبيقي على الإشكال في الفتوى بالعلل العامة:

أ-هل يلتزم الشيخ بتطبيق فتواه

افترض أن شابا سمع فتوى إذا احتل شبر من أرض المسلمين فالجهاد فرض عين وهو  جهاد دفع لا يُستأذن فيه الإمام، ثم حمل الشاب سلاحا واتجه إلى دولة العدوان فلقي في طريقه جيشا عربيا يمنعه من الوصول الخروج من الحدود من غير المنافذ المسموحة حسب ما هو واقع الآن، ثم اشتبك مع الجندي المسلم فقتل أحدهما الآخر.

ب-من هو الشهيد المسلم القاتل أم المسلم المقتول:

 فمن هو الشهيد ومن هو الظالم، إذا قتل المسلم أخاه، وقطعت الشِّمال اليمين، سينقسم الناس فرقا عندئذ، وهل مصدر الفتوى سينتصر  لهذا العمل بسبب فتواه، أم أنه سيتبرأ من هذه النتيجة للفتوى، أم أن المفتي نفسه من الذين لا يجدون حيلة للعمل بفتواه ولا يهتدون إليها سبيلا، وعليه، إذن فمَن المخاطب بفتوى للجمهور لا يعمل بها صاحبها، أم أن أهل السنة سيقعون في شرك التناقض، وهو أن الشباب يدافعون عن فتاوى مشايخهم، ومشايخهم يتهمون الشباب أنهم خوارج، ويصبح الجهاد صراعا داخليا، وينطبق عليه القاتل والمقتول في النار، أم هم شهداء، هذا من تبدلات الدين بين يدي الساعة.

4-العلل العامة لا تعطي المجتمع وضوحا في التطبيق والعمل:

 لاسيما أن الفتوى لم تبين الحقائق الشرعية والأحكام الفقهية التفصيلية، في حقيقة الإمامة، وحقيقة جهاد الدفع، وحقيقة إذن الإمام، ثم بيان حقيقة محل الحكم في فلسطين، ثم التنزيل على الواقعة المشخصة في فلسطين، وحكم أُهبة السلاح المطلوبة في جهاد الدفع وشروط الاستطاعة،  هذا الفراغ في تعيين هذه المفردات يجعل الفتوى غامضة في التطبيق،  فلا سبيل إلى تطبيقها لأنها لا تحمل تفصيلا عمليا، وإن طبقت فهي غامضة قابلة لأن يكون العمل انتحارا أو بطولة أو قتل أخيه،  حسب المتيسر من النتائج والتوظيف الإعلامي

ثانيا: إشكالية اختراع التعارض بين أصل فرض الجهاد وطاعة الإمام(الدولة):

1-تضارب النصوص الجزئية في الفكر الديني المعاصر:

إن واقع توظيف النصوص الدينية في الفقه باتجاهات فرعية من معارضة وموالاة، وجماعة أو حزب، يعني أن الهويات الفرعية هي التي تتحكَّم على الشريعة وليس العكس، وهذا التوظيف يؤدي إلى تصادم النصوص الجزئية ببعضها، كضرب نص في طاعة الإمام:  وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، بنص آخر في وجوب الأمر بالمعروف والنهي، وهذا التصادم يؤدي إلى إلغاء مُحْكَمَين من محكمات الشريعة، والنهاية تكون إلى الحيرة والعدم، لأنه تصادم للكليات والجزئيات، فالخلل في الكلي ليس كالخلل في الجزئي، ولذلك لا بد من بيان ما يقتضية المقام هنا، في أن هذا التصادم غريب على الشريعة وليس منها، فالشريعة هي المحجة البيضاء، والمحجة البيضاء لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.

2-المحكمات لا ترجيح بينها:

لا تعارض بين أصلين شرعيين قاطعين، كفرض الجهاد وطاعة الإمام، فإن حصل تعارض متوهم فيجب كشف أسباب ذلك التوهم، لأن الشريعة سالمة في أصولها القطعية من التعارض الذي يؤدي إلى تساقط الأصول أو التوقف فيها أو الترجيح بينها مع أنها أصول كلية، وهذا معنى قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فالأصول الكلية محكمة، فلا تعارض بين لزوم الجماعة في الدولة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرض الجهاد على المسلمين، ينضوي تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛لأن عدوان الكافرين على المؤمنين منكر تجب إزالته.

3-سبب توهم التعارض بين محكمات الشريعة:

وسبب هذا التعارض المتوهم هو الإفتاء من الأصول الكلية ضد الأصول الكلية مع الاستغناء عن الجزئيات وترتيبها تحت كلياتها المناسبة، وقد حذر الأصوليون من الإفتاء من الأصول العامة مثل طاعة ولي الأمر، وفرض الجهاد، لأن تفصيلات الشريعة موجودة في النصوص الجزئية، وهذه اللغة في الفتوى هي لغة إعلامية صحفية يحسنها أي صحفي ولا حاجة فيها لو صحت إلى جهابذة المجتهدين، وهي أقرب إلى الظواهر الدينية الاجتماعية منها إلى الشريعة المعصومة، فمن تشابهت عليهم الأصول القطعية المحكمة، وهدموا بعضها ببعض، فهؤلاء مقتحمون على الشريعة من أقطارها بلا عُدَّة ولا بصيرة، ومن التبس عليه الـمُحكَم فكيف يكون الشأن بالمتشابه؟!

4-خطورة توهم تعارض الأصول القطعية في حرب العدو  على غزة:

أ-بعد حرب العدو على غزة رأيت نصوصا فقيهة مقتطعة من المصادر الفقهية، توضع تحت عنوان فيه الإطلاق عن أن جهاد الدفع وأنه يكون من غير إذن الإمام، وهذا الإطلاق دائما يخلو من بيان علل الفقهاء في عدم استئذان الإمام، وهي ثقافة عامة وليست  عِلْما فقهيا الذي يستنبط العلل التفصيلية، وفي ذلك الإطلاق لَبْس كبير، وقابلٌ للفهم بطرق متعارضة، لأن الأصول الكلية ليست عللا للأحكام الشرعية التفصيلية كما هو مقرر في أصول الفقه من أن الدليل يجب أن يكون تفصيليا.

ب-لأن العلل العامة يستوي فيها العامي والعالم، وتفهم بوجوه مختلفة متعارضة، إلا إذا بحثت المسألة الجزئية بعينها، بحسب الأدلة التفصيلية، ثم يُرتب الفقيه هذا الحكم التفصيلي تحت كليه المناسب في فرض الجهاد والأمر بالمعروف وبين أصل الإمامة التي تمثلها الدولة، وهنا تظهر المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال.

5-وجوب ترتيب الجزئيات تحت كلياتها:

إن الكليات لا تكون كليات إلا إذا كانت جزئياتها منضوية تحت علم الكليات، والجزئيات تكون حزئية لأنه علم الكلي تناولها، وإذا سلمنا أن الكلي محكم من حيث هو كلي، فلا يتعارض المحكمات المحكمات، وإنما يحصل التعارض في تسكين الجزئيات وتعيين محلها تحت هذا الكلي القطعي، وهو فرض الجهاد الذي هو  جزئي تحت الأمر المعروف والنهي عن المنكر ، أو طاعة ولي الأمر التي هي تحت الكليات العليا في حفظ الدين والدنيا، وعليه فجهاد الدفع من دون إذن الإمام(الدولة) لا يعارض طاعة الإمام(الدولة) من حيث إن كليهما كليان محكمان، وعدم التعارض يكون واضحا بينا إذا تأملنا العلل الجزئية التي من أجلها لم يستأذن الإمام، أنها لا تهدم أصل الإمامة ولزوم الجماعة.

6-استحسان إمامنا مالك هو فقه عمر  ابن الخطاب:

أ-الاستحسان ترجيح بين الدليلين باعتبار محل الحكم:

-مثال الاستحسان من فعل عمر رضي الله عنه:

جوهر استحسان إمامنا مالك أن الترجيح لا يكون بين دليلين أو أصلين باعتبار  مدلول الدليين وهو الحكم، بل باعتبار محل الحكم، وهو حكم عمر  رضي الله عنه في أرض العراق المفتوحة عَنْوة، حيث يتناولها دليلان: قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، ومدلول الآية قسمة الأرض والدور بين الفاتحين، وقوله تعالى: (لِلْفُقَرَآءِ ٱلْمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَأَمْوَٰلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ)

-المعارض الراجح قد يكون مانعا مغمورا في محل آخر:

 فقد تناول الدليلان محل الحكم وهو أرض سواد العراق ودروها بالقسمة بين الفاتحين، وأيضا بوقفها على الفقراء المهاجرين، فرجح  عمر القسمة في السلاح والخيل وجعلهما للفاتحين بالمعارض الراجح قوله تعالى ،  (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم)، وقوله تعالى (لِلْفُقَرَآءِ ٱلْمُهَٰجِرِينَ) مانعا مغمورا، وقوله تعالى (لِلْفُقَرَآءِ ٱلْمُهَٰجِرِينَ) في الأرض والدور  معارضا راجحا، وفي السلاح والخيل مانعا مغمورا.

ب-الترجيح لا يكون بين المحكمات كطاعة ولي الأمر ، والجهاد:

وما نطبقه في الأصلين: أصل الأمر بالمعروف والنهي المنكر وما تحته من جزئي الجهاد، وفي أصل الإمامة والدولة على محلهما في الواقع بحيث يُرجح بين الأصلين باعتبار محل الحكم: وهو الجهاد، والمظاهرات، وإنكار المنكرات من المحرمات، فليس الترجيح بين أصلين قاطعين، بل بين ترتيب الجزئيات ومحل الحكم تحت هذا الكلي أو ذاك، باعتبار الدليل الجزئي، واندراج هذا الجزئي ومَحلِّه تحت أصل من الأصول القاطعة، وملاحظة تناول الكلي لجزئيه، مع ملاحظ رتبة ذلك الجزئي هل هو تحت ضروري أو  حاجي أو تحسيني.

ج-مثال تطبيقي  على الاستحسان إجازة شرب الخمر قانونا وتحريمها شرعا:

-كيف ننكر  شرب الخمر  محافظين على أصول الشريعة:

فمثلا يجب إنكار شرب الخمر ولو أبيح قانونا، بكل الوسائل التي يمكن أن تغير الواقع، ولكن لا يتحول إنكار المنكر إلى إتلاف الأموال وإراقة الدماء، فلا يجوز قتل شارب الخمر وبائعها ، لأن دم شارب الخمر وبائعه معصوم بحكم الشريعة، والقتل والحرق منكر أكبر من منكر شرب الخمر ، فيكون جواب ما حكم تفجير محلات الخمور وقتل المخمور فنقول هو دم محرم تحت عصمة الدماء وحرام، وأما حكم شرب الخمر  وإجازتها قانونا فهو محرم واقع تحت أصل حفظ العقل، ويجب الإنكار في شربها بالقول والبيان وبكل الوسائل التي تغير  من المنكر.

-المعارض الراجح والمانع المغمور:

وهنا لم يحصل الترجيح بين أصل حفظ العقل وأصل حفظ الدماء، بل خرج الحكم باعتبار الجزئي وهو حكم التحريم في إراقة الدماء وإتلاف الأموال في إنكار شرب الخمر، وهذا واقع تحت المعارض الراجح في أصل حفظ النفس والمال، بينما يكون إنكار شرب الخمر بإراقة الدماء مانعا مغمورا، و المعارض الراجح هو وجوب الإنكار على الشرب بالقول والبيان والتحذير، ولو أجاز القانون شرب الخمر والربا، وإراقة الدماء مانعا مغمورا في إنكار شرب الخمر، هكذا يفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا انقلب المنكر معروفا والمعروف منكرا.

-الإشكال هو في الخطاب الإنشائي الذي يزيد المنكرات:

والإشكال يكون في الخطاب الإنشائي الشعبي، الذي يحول إنكار المنكرات إلى التحريض وتصفية حسابات بين الحزب والجماعة وبين الموالاة والمعارضة، ثم يظهر  إنكار المنكر أنه خصومة في الدين، وما هي في الحقيقة إلا من المنكرات، لأنها خصومة بين المسلمين وليست إنكارا للمنكرات، بل ستزيد المنكرات بسبب إنكار المنكر بمنكر أكبر، ودرء المفسدة الدنيا بارتكاب المفسدة العليا، وهذه ناشئة في التفكير الديني الجزئي، الذي ينتهي إلى تفكيك الأمة بسبب ضرب الأصول بعضها ببعض، بسبب تناول الجزئي دون كليه المحكم، أو المحكم دون جزئيه لأن المحكم لم يكن محكما كليا إلا باندراج الجزئيات تحته، فإذا خلعت الجزئيات من تحت كلياتها، لم تعد الجزئيات جزئيات ولا الكليات كليات، وهذا هو الذي يفسر تقهقر الأمة بسبب الفكر الديني الجزئي المعاصر.

د-رد على الاضطراب الديني في الكليات والجزئيات:

إن التعارض المقصود هنا هو التعارض الأصولي: الموجب لترجيح أحد الدليلين وطرح الآخر، أو التوقف، أو تساقط الأدلة، وهذا لا يكون بين أصول الشريعة المحكمة التي هي المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال، وإذا ردت المتشابهات الجزئية إلى كلياتها حصل البيان والبلاغ، لأن أي فكر يطرح محكما من الشريعة هو متنكب للمِحجة البيضاء، وينشأ تنكُّبُ المحجة البيضاء من النظر في الجزئي المحتمل دون رده إلى أصله الكلي المحكم، أو أخذ الأصل القاطع الكلي مع الاستغناء عن جزئيه، وهذا هو تفريق الدين: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)

هـ-نسخ النصوص ولصقها لا يغني من السُّنة شيئا:

  إن الظاهرة الدينية التي تقوم على حشد نصوص الشريعة وأقوال الفقهاء فهي نصوص مجتزأة عن سيقاها في الكلي والجزئي، ومنسلخة عن تنزيل على محل الحكم في الواقع بالتفصيل مثل فلسطين، والعقبات التي تحول دون تحقيق الجهاد فعلا، بل امتهنت نصوص الكتاب والسنة بحيث صارت تتصادم في بين أيدي الدعاة الذين يحلقون الأدلة قبل أن يبلغ الجهاد محله، فلا يقوم الجهاد فعلا، وإنما هو تأسيس لفرقة دينية تنذر بفرق اجتماعية وسياسية مما يخدم الاحتلال ويخذل المؤمنين العاضين على جراحهم على أرض فلسطين.

و -الخطاب الإنشائي للكسل والفقهي للعمل:

 إن نسخ النصوص ولصقها لم يقدم في إطار فقهي تطبيقي عملي يبحث محل الحكم وهو جهاد فلسطين بعينه وظروفه الـمُشخَّصة المحيطة، بل قدمت في إطار شعبوي خطابي، فإن الجهاد فرض عين إذا احتل شبر من أرض المسلمين درسته مع أحكام النون الساكنة والتنوين وأنا ابن عشر سنين، وها أنذا أناهز الخمسين ولكن لم يجاهد المفتي ولا المستفتي، لأن الخطاب الشعبوي الإنشائي سراب بِقِيعَة يحسبه الظمآن ماء، وأما الفقه فيكون إجر ائيا، يجيب كل مكلف ماذا يفعل الآن، كل بحسب استطاعته، وينتهي الخطاب الفقهي الإجرائي للعمل، والإنشائي للكسل.

7-الجهاد أحكامه ماضية لا فرق بين فترة قوة وضعف:

أ-الجهاد حكم تكليفي لا تاريخي حسب فترات القوة والضعف:

يظن بعض المفكرين أن الجهاد كتب في عصر القوة، وهو  تفسير تاريخي للأحكام الفقهية، لا يوجد فقه في الضعف وفقه في القوة، الجهاد في فترة القوة كتب على شرط الاستطاعة، وكذلك هو في فترة الضعف، فمناط الجهاد كبقية الأحكام التكليفية شرطها الاستطاعة سواء كانت الأمة قوية أو ضعيفة، لكن المشكلة هي في الإسقاط التاريخي على الشريعة، كما حصل في الفترة المكية التي قدمها الدعاة على أنها فترة تاريخية لضعف المسلمين، مع أن الفترة المكية هي أحكام الأصول والعزائم التي أقيمت عليها الشريعة أما الأحكام المدنية فهي الفروع التي وضعت وضعا عامة لمراعاة كثرة الناس الداخلين في الإسلام، مع استمرار العزائم المكية في رتبة الأصول الباقية، إذ لا يبقى الفرع إذا هُدم أصله.

ب-الجهاد حسب الاستطاعة يستمر معه التكليف:

– فالجزئي في المدينة والكلي في مكة، ولا يبقى الجزئي جزئيا إذا استغنى عن كليه، ولا الكلي كليا إذا انتزعت جزئياته، لأن كونه كليا باعتبار جزئيات، والتفرق في الدين هو تفريق أحكام الجهاد على أنه في فترة القوة وهي لغة الفكر الديني المعاصر  الذي يفسر الفترة المكية تفسيرا تاريخيا، بحجة عدم وجود الخلافة، أو الدولة الإسلامية فعطل أحكام الشريعة الممكنة حسب الاستطاعة بسب التفريق بين الكليات والجزئيات، الذي هو عين التفريق في الدين.

– وإذا نظرنا إلى تفصيل الجهاد بحسب الاستطاعة وجدنا أن المكلفين مختلفين في الاستطاعة، فهناك الدولة بِرُتبها وهناك الأفراد بتفاوت قدراتهم، فوزير خارجية دولة إسلامية كبرى مكلف بحسب طاقته أكثر من ابن حي الشيخ جراح في القدس من الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وعلى هذا يكون الأصل حسب الاستطاعة محافِظا على التكليفات الشرعية، خلافا للفكر الديني التاريخ الذي يتوهم أن فقه الجهاد كتب لمرحلة القوة، كما هو الشأن في الفكر الديني التاريخ الذي نظر إلى الفترة المكية تاريخيا وليس فقهيا .

ثالثا: تطبيق جهاد الدفع دون إذن الإمام ووجوب طاعة الإمام:

1-مفهوم الإمامة والدولة بوصفه محلا لتنزيل الحكم الفقي:

-بعد إلغاء الخلافة رسميا سنة 1924، وكان ذلك بداية ظهور الدولة الحديثة، نظر الفكر الديني المعاصر نظرة تاريخية غير فقهية، وهي أن الأمة رجعت للفترة المكية لأنها بلا إمامة مطلقا، ولا بد من استرجاع الدولة الإسلامية الغائبة، مع الاضطراب في مفهوم الدولة لدى الحركات والجماعات الدينية المعاصرة، أدى إلى شقاق واسع داخل الوسط الديني نفسه، وهذا الفهم التاريخي يعني انقطاع محل الحكم المتعلق بالإمامة وتعليق أحكام الشريعة المتعلقة بالدولة، أو الضبابية كما ظهر في فترة كورونا حيث أنكر  جمع من المسلمين إغلاق المساجد والتباعد بين الصفوف بحجة أن الدولة غير إسلامية ولا حق لها في الطاعة، وظهر التكفير  للدولة بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يهدم قوله تعالى:  (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

 -وهذا التعطيل للشريعة في محل الحكم وهو الإمامة والدولة بسبب التفسير التاريخي للفترة المكية، كان يظهر في الأزمات أن هذه دولة مدنية لا طاعة لها، والتكفير بالحاكمية، وكل ذلك أدى إلى تعطيل الشريعة فيما يخص الدولة، وفي الوقت نفسه تظهر فتوى طاعة ولي الأمر  والتوظيف السياسي سواء لطاعة ولي الأمر  مطلقا أو تكفيره مطلقا بعدم الحكم بما أنزل الله، ولا ريب أن هذا التناقض الفكري الديني سيظهر في مسائل الجهاد في فلسطين، لشدة تعلق مسائل الجهاد بالإمامة (الدولة)، مما يعني ضرورة تحقيق محل الحكم في الدولة في بلاد الإسلام.

أ-الصفة الجوهرية في الإمامة:

إن من الضروري إحياء التفسير الفقهي للدولة المعاصرة بعيدا عن التفسير السابق، وذلك بالنظر إلى الصفة الجوهرية في الإمام المسلم هي الكفاية والاستقلال في الدفع عن المسلمين، وأما وصف الاجتهاد والعالـِمية والعدالة والقرشية فيه فهي أوصاف واجبة تكميلية لا تخل بصحة الإمام لأن مقصود الإمامة هو حماية المسلمين، يقول الإمام الجويني في الغياثي:  (فالاستقلال بالنجدة والشهامة من غير اجتهاد، أولى بالاعتبار والاختيار من العلم من غير نجدة وكفاية، وكأن المقصود الأوضح الكفاية، وما عداها في حكم الاستكمال والتتمة لها)

ب-سقوط الشروط التكمليية لأجل المحافظة على الضروري:

 فالخلافة العثمانية ليست قرشية مع أنها خلافة بإجماع، وسقط شرط العدالة والاجتهاد، للنظر إلى ضروري الإمامة وهي حماية الأمة من الغزو الخارجي والكيد الباطني وهو ما فعلته الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية على حالات من الضعف تخللتها.

ج-تصور الإمامة في الدولة الآن:

يتصور البعض بسبب التفسير التاريخي للشريعة، أن المسلمين اليوم في الفترة المكية بلا دولة بسبب الاعتقاد بكفر الدولة الحديثة، مما يعني جهلا منهم تعطيل كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالإمامة، أو من يعتقد بصحة ولاية الدولة الحديثة من الناحية الشرعية، ولكن الطاعة في المعروف وهذا الفقه القادر على حماية الشريعة ، فليس الإمام اليوم فردا أو جماعة أو حزبا أوحكومة بعينها، بل هي الدولة بمؤسساتها العسكرية والتعليمية والخارجية والصحة والداخلية وغيرها، كلٌّ في محل اختصاصه وحسب صلاحياته المنطوطة به، والتي تمثل في مجموعها تكامل مقاصد الشريعة الخمسة برتبها الثلاث: الضرورية والحاجية والتحسينية، وليست الدولة هي شخصا بعينه.

ولذلك حافظ الصحابة رضي الله عنهم على الدولة لما صارت الخلافة ملكا عضودا، وانتصروا لبقاء لدولة الحارسة للأمة من الباطنية والغزو الخارجي،  ولم يكن نظرهم الحصيف انتصارا لشخص الخليفة الذي انتقص بعض أحكام الشريعة، مع أن الصحابة أنكروا المنكرات على الخليفة نفسه وغيره، ولكنهم في الوقت نفسه حرسوا الدولة التي تمثل الأمة ولزوم جماعة المسلمين، وهي لا تتعلق بحياة الخليفة بعينه أو موته، بل تمتد عبر القرون.

 والخلافة العثمانية ليست منا ببعيد، فلم تتوفر فيهم صفة القرشية والاجتهاد،ومنهم من أئمة الجور الذين انتقصت منهم صفة العدالة، ومع ذلك لم يرجع المسلمون في فترة المغول إلى التفسير التاريخي للفترة المكية والمدنية، بل صححوا إمارات الحرب والسلطنات التي كانت تستقل بالدفاع عن المسلمين مثل السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي محرر القدس.

د-المسلمون من الخليفة إلى السلطان:

عندما ضعف خلفاء بني العباس واتسعت رقعة الخلافة استقل بعض السلاطين بأقليم، وكانت لذلك السلطان ولاية تامة صار فيها الخليفة شكلا دينيا، ولكن الفقهاء دائما يقومون على قاعدة حفظ دماء المسلمين وإقامة أحكام الدين، وذلك بحسب الاستطاعة التي هي شرط في التكليف، وإذا انحسرت قوة السلطان عن بلد قام فيها العلماء بتشكيل أهل الحل والعقد، أو يظهر أمراء الحرب، وأولوا الأحلام والنهى لتحقيق الجماعة بحسب القدرة، وعليه يكون ترتيب القوة في الإمامة والنيابة عنها على النحو الآتي بعد الخليفة على النحو الآتي:

هـ-الدولة المعاصرة مرجعها الشريعة ولو زالت الخلافة أو نقصت الأحكام:

لم يمنع وجود الخليفة وجود ملوك وسلاطين في ظل الخليفة، ودول تستظل بظل الخلافة وإن كانت مقسمة واستقل كل ملك وسلطان بإقليم تنفذ فيه أحكامه دون السلطان الآخر، ولكن الجميع تحت ظل الخلافة بوصفها شكلا دينيا رمزيا لأهل السنة والجماعة، وعليه لا يعني تقسيم الدول العربية إلى دول وعدم وجود الخلافة العظمى سببا للتخلي عن أحكام الشريعة انتظارا للخلافة، بل يمكن لكل دولة أن تطبق كل ما تستطيع في حمل الكافة على لزوم الجماعة والشريعة، وعليه في الدول من ملكيات وإمارات وجمهوريات هي مثل السلطنات التي كانت تابعة شكلا للخلافة، وزوال الخلافة لا يلغي حقيقة الشريعة ووجوب السعي في العمل بها.

 و-أمير الحرب أثناء دفع عدوان الدولة الاستعمارية:

-تعرضت الأمة لكثير من الهجمات الشرسة التي كانت تنهار  فيها الدولة كهجمات التتار والمغول والصليبيين وأخيرا نموذج الاحتلال الاستعمار الذي هو منتج حداثي في مآسي الشعوب وقد تصدى المسلمون لهذا الغزو  والذي كان يضطلع برد العدوان  أمير الحرب الذي لم يصل لرتبة سلطان الدولة،  كغزة المنصورة حاليا، حيث تعتبر مجموع فصائل التحرير  أمراء حرب دون مستوى الدولة أو السلطان، أهل حل وعقد وأمير حرب؟

 -فإذا أمروا بالمقاومة للعدو المحتل والذود عن غزة أو اتفقوا على وقف إطلاق النار فأمرهم في شأن الحرب ملزم للجميع وإن لم يرقوا إلى مستوى الدولة لحصول دفع العدو بهم، وعلى المسلمين إعانتهم بالمستطاع، ولكن ليس له أن يجبر الناس على بيعته كما هو الشأن في الولايات العامة التي هي من اختصاص الدولة، ولكن يسعى المجتمع كاملا لتطبيق أحكام الإسلام بقدر المستطاع، ولو أن فصيلا طلب من فصيل آخر الانضواء تحت ولايته لوقع القتال بينهما بسبب اختلاف التوجه السياسي وأحيانا الفقهي بل والعقدي.

ز- أمير الحرب دون إذن بسبب البعد عن الإمام لا يعارض أصل طاعة الإمام:

 -ودليل صحة إمارة الحرب دون بيعة من الناس ولا تعيين الإمام، هو  استلام خالد ابن الوليد الراية بعد الشهداء الثلاثة دون بيعة ولا تعيين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إن المصلحة تفوت لو انتظر الصحابة تعيينا لقائد المعركة من الإمام وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لا مجال للتشاور في التعيين ورحى المعركة تدور  بين الروم والمسلمين.

-وقد ترجم البخاري للحديث ترجمة خليقة بأن يوقف عندها مَلِيا، وهذه الترجمة هي: (باب مَن تأمَّر في الحرب مِن غير إِمْرةٍ إذا خاف العدو)، فإن في الترجمة فقها جَمًّا، هو أن الأمة وهي في حربها مع العدو الذي يسومها سوء العذاب وحارب دينها، هي أحوج إلى التحرير واسترداد الإرادة أولا،  فاستقلال الإرادة هي بوابة القيام بالتكاليف الشرعية ذات العلاقة بالولايات العامة.

-فحالة الضرورة بيِّنة وليس تولي خالد بن الوليد نقضا لعهد الإمام، بل رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنعه، وذلك للعلة الجزئية وهي فوات مصلحة المعركة بانتظار إذن الإمام لبعد المسافة، فتولي خالد للقيادة، لم يتعارض أصلا مع إذن الإمام لأنه لم يمنع، ثم حصل الرضا بعد تولي خالد القيادة، وهي سنة نبوية في تأسيس قيادة أمير الحرب إذا خفنا العدو الذي دهمنا، وليس إسقاطا لأصل الدولة كما يتوهم أصحاب التفكير الجزئي، وعليه يتضح لك الفرق بين عدم إذن الإمام وبين منع الإمام، في أهمية الجمع بين مصلحة الحرب في الجهاد فرض العين، وبين لزوم الدولة والجماعة، كما أن الدولة والإمامة محروسة بحراسة الشريعة لهما.

– وكان من الواجب على ذوي التفكير الجزئي الديني المعاصر  أن يكشفوا عن العلل الجزئية لتولي الأمر دون إذن الإمام، بما لا  يُخِل بمحكم الإمامة والدولة، كما هو واقع في التفكير الجزئي الانشطاري الذي تتساقط أدلة الشريعة بين يديه بسبب عدم رد الجزئي المتشابه إلى كلِّيه المحكم المناسب، وأن تساقُط أصول الشريعة وأدلتها الجزئية هو بسبب الصدام الفكري بين الفئات الدينية المختلفة، هو مشروع تهادم داخلي وتفكيك للدولة والمجتمع بعد تفكيك الشريعة، ويسلم من هذا الصدام العدو الصهيوني، الذي يتغذى على الفرقة الدينية والسياسية للمسلمين، ويصدُق على المتفرقين في الدين الذي صدموا المحكمات بالمحكمات والجزئيات بالجزئيات قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)، والفرقة من علامات البدعة والجماعة من علامات السنة.

-الظاهر  دليل وبطلان الأوصاف الخفية وفلسفة المؤامرة لهدم المحكمات:

لم يتنادَ السابقون الأولون في معركة مؤتة للاعتراض على خالد، لأن تاريخه حافل بالحرب على المسلمين فهو الذي نكل بهم في أُحُد وقتل من قتل، ولم تحدث تسريبات حول المندسين من قريش في معركة مؤتة بين الصحابة ، ولا تتبع الأخبار الملفقة المتشابهة التي تهدد تماسك الدولة شعبا وقيادة، بل كان الاصطفاف المتماسك تحت الولايات العامة والخاصة لأن الأمة دائما في مواجهة المنافقين في الداخل والغزو من الخارج، وعليه حفاظا على محكم مؤسسة الدولة التي هي جزء من الشعب وأنها ليست شخصا بعينه

 فتجب المحافظة عليها وعلى الجماعة، كما يجب المحافظة على رد العدوان عن بالجهاد الكفائي والعيني، وما زال المرجفون بديار الإسلام قديما وحديثا يتربصون بها الدوائر، فقد آن الأوان لطرح الأوهام والشكوك ووسواس المؤامرة من أجل المحافظة على الجبهة الداخلية، ومن أجل إمداد غزة خاصة وفلسطن عامة، لأن الفتنة  الداخلية في ديار الإسلام ستكون خدمة مجانية للباطنية من الشيعة، ومصلحة للغزاة من العدو المحتل الجاثم على أرض فلسطين.

رابعا: فن التدبير السياسي النبوي في الصلح والقوة خارج سلطة الدولة:

1-صلح الحديبية:

اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية أنه من جاءه مَن قريش مسلما رده إلى قريش، فرَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسم أبا بصير وأباجندل تنفيذاللعهد مع قريش، وآل الأمر أن يخرج أبو جندل وأبو بصير  ومن لحق بهما ممن هو في حالهما باعتراض قوافل قريش وتهديد الشريان الاقتصادي في منطقة خارج سلطة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا هو منعهم من التعرض لقريش، ولا أمرهم ولا أذن لهم، بل كان تخلصا سياسيا ذكيا مع إبقاء الوفاء بالعهد.

 2-التدبير السياسي في الكلي المصلحي مع كلي الوفاء بالعهد:

وفي الوقت نفسه ترك الفرصة لتشكيل قوة ضغط عسكرية واقتصادية خارج سلطته النبوية، لتكون هذه القوة ضاغطة على قريش، إلى حد أن قريشا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب منه إلغاء الشرط من معاهدة الصلح، وفتح الله للمسلمين فتحا عظيما من غير غدر ولا خيانة، ولا تسليم المسلمين لأعدائهم يقتلونهم، ورد المسلمين إلى جماعتهم.

3- ما من واقع جديد إلا وله أصل في السنة:

ويمكن أن تكون هناك صور مشابهة يقتدي  فيها السياسي المسلم بالسنة النبوية في التدبير السياسي الذي يجمع  بين المحكمات الأخلاقية في الشريعة وبين وتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية، إذ لا تعارض بينهما لأنهما أصول كلية قاطعة، والقطعي لا يعارضه قطعي لانتفاء التناقض عن الشريعة المحكمة، ولو كان فيها تعارض بين محكماتها لم تكن بلاغا للناس، ولا محجة بيضاء، فهذه هي محكمات الكتاب والسنة النبوية تعلن انتهاء عهد رهبان الحداثة من عبيد المنفعة الدنيوية على مذبح الإنسانية المعذبة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وأصول الشريعة قادرة بكلياته المتناولة للجزئيات والجزئيات المتمسكة بالكليات على أن تسترد الإنسانية التي ألهبت ظهورها سياط الحداثة.

خامسا: مفهوم جهاد الدفع بين الفقه والفكر:

تحدث الفقهاء عن حالات متعينة يتعين فيه الجهاد من غير الإمام ونصوا على علة ذلك كما رأيت سابقا، ويمكن صياغة مفهوم جهاد الدفع بناء على تلك الحالات: بأنها الفرض المتعين في الجهاد من غير إذن الإمام، وهذا لا يتناقض مع الدولة بحسب علله الآتية كما سترى، وأن الفكر الذي يجعل مفهومه لجهاد الدفع بأنه للدفاع عن المسلمين لا سيما في حالة غزو العدو لأرض المسلمين، وهذا لا بد من مناقشته بحسب العلل التفصيلية التي علل بها الفقهاء، وسنجد أنها أخص من تعبيرات الفكر الديني المعاصر، الذي يكتفي بالثقافة العامة بدلا من الفقه وبالفكر بدلا من الأصول، بحيث أصحبت الأمة تعيش في وهم الشريعة وهي في الحقيقة في عزلة عنها.

1-العلل الجزئية في جهاد الدفع لا تهدم أصل الإمامة المحكم:

هذه العلل تقديرها في الواقع للفقهاء وأهل الخبرات الفنية المختصة في الأمن والاقتصاد والظروف المحيطة بالأمة، وليست متروكة للعامة الذين لا يقدرون على تحقيق محل الحكم في الواقع الذي يجب أن يتنزل عليه الحكم، وترك التقدير للعامة فهذا يعني تحويل الجهاد للشعبوية وإمبراطوريات الإعلام ومالكيها من رجال الأعمال في صناعة الرأي العام، ولا يجوز أن يكون الرأي العام مرجعا في الأحكام الفقهية.

وقد بين الفقهاء علة عدم استئذان الإمام في جهاد الدفع بعلل، منها:

 أ-بعد الإمام بما يتعذر معه التواصل، ولو انتظر أمر الإمام لأدى ذلك إلى استئصال المسلمين وفوات مصلحة دفع العدو.

ب-أن دفع العدو فرض متعين على أهل البلد الذي دهمه العدو ، وفرض العين لا إذن فيه

 ج- إن جهاد الدفع لرد العدو الصائل في الحال لا اجتهاد فيه، ولا يحتاج نظر الإمام، لأن ذلك من مسلمات الدين دفع العدو عن أرض الإسلام، وأن مراجعة الإمام في الأمور التي هي بحاجة إلى نظر، ودفع الصائل عن بيتك لا حاجة للنظر فيه فهو حق قاطع، وأما اتباع الإمام فهو واجب في مسائل النظر، لأنه اجتهاد

د-إذا أمر الإمام بمفسدة قاطعة ومَهْلَكة للعباد كالأمر بإبادة المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب، فهنا لا يسقط أصل طاعة الإمام، بل تصبح يصبح الأمر بالقتل نازلا  تحت أصل إنكار المنكر ووجوب حفظ النفوس المعصومة، ولا يصلح أن يحتج بطاعة الإمام  في هذا الجزئي الآمر بالهلاك، مع ان الإمامة باقية بوصفها أصلا، إنما الذي حصل فيه التعارض هو ترتيب الجزئي الأمر بالإبادة تحت كليه المناسب، مع بقاء أصل طاعة الإمام قائما، لأن الأصول قطعية لا تهدم.

2-النصوص الفقهية في العلل الجزئية لعدم استئذان الإمام:

1-البيان والتحصيل (2/ 590)

وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل من سواحل المسلمين، أيقاتلهم المسلمون بغير استئمار الوالي؟البيان، فقال: أرى إن كان الوالي قريبا منهم – أن يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم، وإن كان بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم، فقيل له: بل الوالي بعيد منهم، فقال: كيف يصنعون أيدعونهم حتى يقعوا بهم، أرى أن يقاتلوهم.

ب- التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 557)

ابن وهب: ولا يجوز له أن يبارز إلا بإذن الإمام إن كان عدلا. ابن رشد: هذا كما قال: إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزم استئذانه في مبارزة ولا قتال إذ قد ينهاه عن غرة قد تبينت له فيلزمه طاعته، فإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان له لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهي عنه، لأن الطاعة للإمام من فرائض الغزو فواجب على الرجل طاعة الإمام فيما أحب أو كره، وإن كان غير عدل ما لم يأمره بمعصية.

ج-بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/ 100)

 ولو أمرهم بشيء لا يدرون أينتفعون به أم لا، فينبغي لهم أن يطيعوه فيه إذا لم يعلموا كونه معصية؛ لأن اتباع الإمام في محل الاجتهاد واجب، كاتباع القضاة في مواضع الاجتهاد والله تعالى – عز شأنه – أعلم.

د-المغني لابن قدامة (9/ 217)

إذا ثبت هذا، فإنه ينبغي أن يستأذن الأمير في المبارزة إذا أمكن. وبه قال الثوري، وإسحاق ورخص فيها مالك، والشافعي، وابن المنذر لخبر أبي قتادة، فإنه لم يعلم أنه استأذن النبي – صلى الله عليه وسلم – وكذلك أكثر من حكينا عنهم المبارزة، لم يعلم منهم استئذان. ولنا أن الإمام أعلم بفرسانه وفرسان العدو، ومتى برز الإنسان إلى من لا يطيقه، كان معرضا نفسه للهلاك، فيكسر قلوب المسلمين، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام، ليختار للمبارزة من يرضاه لها، فيكون أقرب إلى الظفر وجبر قلوب المسلمين وكسر قلوب المشركين. فإن قيل: فقد أبحتم له أن ينغمس في الكفار، وهو سبب لقتله. قلنا: إذا كان مبارزا تعلقت قلوب الجيش به، وارتقبوا ظفره، فإن ظفر جبر قلوبهم، وسرهم، وكسر قلوب الكفار، وإن قتل كان بالعكس، والمنغمس يطلب الشهادة، لا يترقب منه ظفر ولا مقاومة فافترقا.

هـ فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب (ص: 295)

(و) السابع (الطاقة على القتال)، أي فلا جهاد على أقطع يد مثلا، ولا على من عدم أهبة القتال كسلاح ومركوب ونفقة.

3-جهاد الدفع لا يهدم الدولة:

والخلاصة أن ما عرضته من تعليل جهاد الدفع من غير إذن الإمام (الدولة) ليس مُشاقة للدولة، ولا يطرح كلي الإمامة والدولة ولا يتناقض معها لأن الكلي لا يعارض الكلي لأنهما قطعيان، والقطعي لا يعارض القطعي، على خلاف الخطاب الأعم عن تفصيل العلل الذي يوهم الجمهور بأن الجهاد صار حالة صدام بين الشعب والدولة وإعادة تسكين الجهاد على شكل حرب أهلية بين المسلمين، بسبب التفسير الفكري الذي فيجعل حالة جهاد الدفع مطلقا دون إذن الإمام ويفسر الدفع بأنه الدفاع عن أرض المسلمين وهذا المعنى أعم وأوسع من الحالات التي نص عليها الفقهاء، ومن ثم تدخل حالات لا بد فيها من إذن الإمام في الفقه ولكنها في الفكر الإسلامي مما لا يسأذن فيه الإمام، وفيما يأتي توضيح لذلك

سادسا: تناقضات الفكر الديني المعاصر في علل جهاد وحكمته:

1-الفكر الديني عموميات والفقه تفاصيل:

-زعم الفكر الديني المعاصر أن جهاد الدفع يكون بغير إذن الإمام بهذه الحالة العمومية، ولكن لو سئل ذلك المفكر الديني لو أن فصائل التحرير في غزة وافقت على هدنة فهل يجب التزام المجاهدين هذه الهدنة، فتكون الإجابة بنعم، فحصل التناقض مع أن الجهاد جهاد دفع بحسب تعريف الفكر الديني أنه للدفاع عن أرض المسلمين، فأنتج الفكر العام نتيجتين متناقضتين، وهذا ما حذر منه الأصوليون أن التعليل بالعلل العامة يدل على الشئ ونقيضه، بالإضافة إلى أنه لا فرق فيه بين العامي والمجتهد.

-ولو سألنا سؤالا آخر، هل كان يجب على المسلمين في جيش صلاح الدين الأيوبي أن يستأذنوا الإمام وهو السلطان الناصر صلاح الدين، لقال: نعم، مع أن جهاد صلاح الدين هو دفع لرد العدوان عن أرض المسلمين وهي فلسطين، فتناقض التقسيم الذي ذهب إليه الفكر الديني، لأنه فسر تلك الحالات التفصيلية التي يستأذن فيها الإمام بحالة هي أعم وأوسع، وكان تقسيمه فاسدا لا يصلح لبناء الأحكام الفقهية عليه لأنه أدخل تحت التوسع بالتعميم ما ليس منه، ثم حصول التناقض في تفسير جهاد الدفع وتعميم الحالات المعينة لفرض العين مع تجاهل العلل الجزئية التي ذكرتها آنفا، ثم تحويل جهاد الدفع إلى حرب أهلية بسبب الذهاب مع التعليل العام ونقض العلل الجزئية.

2-آثار صدام تعليل الجهاد بالحكمة مع التعليل بالنص:  

من الضروري التمييز بين التعليل بالحكمة التي هي المناسبة، وبين العلة التي هي وصف مناسب ظاهر منضبط، فلو عللنا تحريم الخمر  بالحكمة وهو ما ورد في الكتاب (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) فتحريم الخمر لأنها توقع العداوة منصوص ولكنه حكمة وليس  علة، لأن الحكمة لا تنضبط كالمشقة في السفر قد تقع ولا تقع ويختلف الناس فيها، أما علة الإسكار فهي وصف منضبط ولا يخفى، فلو عللنا تحريم الخمر لجازت الخمر إن لم توقع العداوة، وإن عللنا بالعلة المنضطبة حصل التحريم ولو  كان شارب الخمر وحدة، وما يعنينا في المثال هنا، هو تعليل الفكر المعاصر الجهاد بالحكمة كالدفاع أو نشر الدعوة، بينما العلة هي إظهار الدين أو علة الكفر.

أ-التعليل بأن الجهاد للدفاع أو إبلاغ الدعوة:

-في الفكر الديني المعاصر يعلل الجهاد بأنها للدفاع عن الأرض أو لإبلاغ الدعوة وهذا يصح لو كان من التعليل بالحكمة وهي لا يجوز لها أن تعارض العلل التي هي المناسبة الظاهر  المنضبطة التي علل بها الفقهاء،  فيما اطلعت عليه: أن علة الجهاد هي الكفر، أو إعلاء الدين وإظهاره، حسب النصوص الشرعية.

– وأما إبلاغ الدعوة فهو يلبس على الناس، إذا فهم أنه علة، فيقول قائلهم: ولم الجهاد إذا كان إبلاغ الدعوة ممكن بالإعلام والتواصليات، وعلى فرض أنه للدفاع عن النفس والأرض، فهذا لا يختلف فيه كافر عن مسلم.

ب-ما سبب التباس علل الجهاد في الظرف الراهن:

 وهذا اللبس بسبب عدم التمييز بين التعليل بمسلك المناسبة (الحكمة) وهو أضعف المسالك كما يفعل المفكر الإسلامي، وأما تعليل الفقهاء فهو بالنص وهو مِن أعلى مسالك العلة، كما يعلل الفقهاء حسب ما ورد التصريح به كقوله صلى الله عليه وسلم (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا)، ويهدم المفكرون العلة الفقهية المنصوصة بالحكمة التي هي في معنى المناسبة، وهذا هو التفرق بالدين والإيمان ببعض الكتاب والإعراض عن بعضه، والتسبب في إثارة الشبهات في المجتمع، ثم مفارقة المحجة البيضاء في علة الجهاد كما هو معلل بالنص في الكتاب والسنة، وهو ما بينه الفقهاء وهدمه المفكرون الذين ذهبوا لإعادة النظر في النص الديني والفقه المسمى عندهم بتخليص المذاهب المتبوعة مما علق بها من الباطل.

ج-مفارقة الجماعة في إبطال علل الفقهاء بالحكمة:

إن الحكمة لا تفارق العلة لأن العلة يدرك الفقيه منها وجه المناسبة المنضبط المنصوص عليه، فمع العلة يحصل الدفاع عن المسلمين وإبلاغ الدعوة، ولكن مع الحكمة صار الناس يتساءلون الأسئلة المرتبكة السابقة، بسبب ضياع المحجة البيضاء التي فيها العلة والحكمة معا، ونصوص القرآن الكريم والسنة متكاثرة على تلك العلل إلى حد التواتر المعنوي الذي هو الكلي في المحجة البيضاء.

د- يلزم من العلل المحدَثة خلو الأمة من الحق وهو باطل:

 وعندما تحول العلل إلى حكم، فلا تبقى العلة علة، فهذا إحداث علل جديدة تلغي العلة المتفق عليها في الأمة، ولكن العلة ألغيت بأقوال تشبه الشريعة ولكنها ليست منها، ويلزم بإبطال العلل في المذاهب المتبوعة وإحداث علل جديد، خلو الأمة سابقا من الحق الذي أحدثه مجددو الدين هذه الأيام، ومن ثم مفارقة الجماعة بذلك، التي هي المحجة البيضاء، وكل ذلك بسبب قيام الفكر الديني المعاصر على إعادة النظر في النص وتجديد التراث أو إلغائه كما ترى في علة الجهاد.

هـ-الجهاد الشرعي عَصِي على الابتلاع في المؤسسة الاستعمارية:

-إن تعليل الفقهاء الجهاد بالكفر  وإعلاء الدين، يجعل المؤسسات الاستعمارية التي اصطنعت شرعيتها على أنقاض العالم الإسلامي عاجزة عن تحوير الجهاد ليناسب المنظومة الاستعمارية، أما في الفكر الديني المعاصر الذي استحدث علة الدفاع عن النفس، وإبلاغ الدعوة، فإن المنظومة الاستعمارية تجيز لأي شعب ودولة حق الدفاع  عن النفس، وأما التواصليات والإعلاميات فهي كفيلة بتحقيق العلة المحدثة بإبلاغ الدعوة.

 -وأما جهاد الطلب فإنه لا داعي له لأن الدول لها حدود معترف بها من الجميع، مما يعني أن الفكر الديني المعاصر  في علله المحدثة وتقسيمات الفاسدة، قد أحدث زيفا مقدسا سماه جهادا وهو ليس بجهاد، بل يمكن التلاعب به في المنظومة الدولية الحداثية الاستعمارية، أو تحويله إلى حرب أهلية داخل البيت السني، وذلك كله يحدث بسبب مفارقة الجماعة بالتقسيمات للجهاد الموغلة في العمومية واستحداث علل عامة تؤدي إلى الفرقة، وتلغي العلل التي مسلكها النص وهي طريق الجماعة والمحجة البيضاء.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا يَنْجبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

6 -جمادى الأولى-1445

20-11-2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top