1-قد يكلف الشرع بما في نفس المكلف، مثل جواز فطر المريض إذا خاف زيادة مرض، وخوف الأم على جنينها، بصرف النظر عما هو في نفس الأمر في الطب، الذي قد يقول للمراة لا داعي للخوف، وكذلك لم يُجز الشارع للقاضي أن يقضي بعلمه مع أن علمه هو ما في نفس الأمر كرؤيته سارقا يسرق، ولا يجوز إثبات الفاحشة بالتصوير مع أنها واقعة في نفس الأمر، ومع ذلك يُحكم ببراءة المتهم، واتفقت الأمة في عملها على ما أمر به نبيها مع وجود الحسابات الفلكية وعملها الدقيق بالفلك، وليس لأن الفلك قد يخطئ، بل لأن المعتبر هو السبب الذي قرره الشارع بالرؤية على أصولها.
2-فأَن يثبت تولد الهلال واختلاف الفلكيين فيما يعتبرون به تولد الهلال، فهذا خلاف علمي فلكي، أما تعيين تولد الهلال سببا لوجوب الصيام فهذه فلسفة طبيعية وليست علما، بل هي شحنة فلسفية ركبت على ظهر العلم، لأن تعيين الأسباب والشروط والموانع تعيين إلهي، وليس يستفاد من الطبيعة، وقد اعتبر الشارع وجوب الصيام بالرؤية حسب أصولها الشرعية وأمر بإكمال عدة شعبان إن غُم علينا وذلك في ظن المكلف مع أن الشرع يعلم أنه يحتمل أن يكون إتمام شعبان ثلاثين هو فعلا الأول من رمضان في نفس الأمر، فدل أن الشريعة طرحت الحسابات الفلكية واعتبرت رؤية شرعية بشروطها.
3-ولم تحصل الفرقة في الأمة بسبب العلم، بل حصلت بسبب إقحام الفلسفة الطبيعية الحداثية التي أدخلت سبب وجوب جديد محل السبب الشرعي، وأعادَت النظر في النص الديني، وتجاوزت العمل المحكم، وألغت السبب الشرعي الذي عملت به الأمة، بأسلوب خطابي جماهيري وفلسفة طبيعية أوهمت الناس أنه علم، ولكنه في الحقيقة كان فلسفة طبيعية، خالفت المحجة البيضاء التي هي عمل الأمة مع علمها الدقيق بالفلك، وركِبَت فلسفة الطبيعة وليس العلم، وفُرقة الأمة لم تكن بسبب العلم، إنما كانت بسبب نقض الأسباب الشرعية التي هي المحجة البيضاء، وإحلال فلسفة الطبيعة العمياء.